الحمد لله وحده، سبحانه وبحمده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فهذه آيات استوقفتني، جَمَعَ بينها أنها طَرَقَتْ أبواب قلبي، واخترقتْ كل الحواجز والحُجُب لتترك فيه أثراً.
سبحان الملك! شعرتُ أن تلك الآيات كأنها أوقفتني وأمسكت بتلابيب قلبي قائلةً "قِفْ هنا، لا تَمُرَّ عليّ مرور الكرام، فأنتَ أحوج ما تكون إليّ"
وكأن تلك الآيات قد أدخلتني إلى عالمها بعدما اختطفتني اختطافاً رقيقاً، وأخذتني إليها أخذاً رفيقاً، ومنعتني عن الانشغال بما سواها، والاسترسال مع ما عداها.
كنتُ أتذكر - حين أشعر بتلك الحالة - وصية ابن مسعود رضي الله عنه التي أوردها البغوي في تفسيره (8/251): "قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلَا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ".
استوقفتني تلك الآيات من زوايا شتى؛ تارةً تفكراً في حالي، وتارةً تفكراً في مآلي، وتارةً انبهاراً بروعة الأسلوب أو جمال النظم، وتارةً فرحةً بوجود حلٍ لمشكلة كنتُ أُفَكِّرُ فيها، حتى إنني في بعض الأوقات لأكاد أصرخ فرحاً "وَجدتُها".
ولذلك رأيتُ أن أُفْسِح المجال لقلبي ليخبركم ببعض ما وَجَده وعايشه؛ ورغم أن الكلمات تَقْصُر دوماً عن الإفصاح التام عن مكنونات القلوب، وتعجز عن التصوير الكامل لما بداخلها، إلا أنني أؤمن أن حديث القلوب هو أفضل حديث يصافحها، ويُنير لها الدروب.
فأطمع في كرم الله أن تجد الآيات طريقها إلى قلوبكم، من خلال الكلمات التي أحاول بها تقريب ما استوقفني فيها.
غيرَ أني أطمع فيما هو أكمل من ذلك، أطمع في أن تكون تلك الكلمات شرارةً تشعل نار العزم على توفية كل آية من تلك الآيات حقوقها الكاملة (علماً وعملاً وتعليماً)، (صلاحاً وإصلاحا)، (تدبراً وتدبيراً)، (تأثراً وتأثيراً).
لذلك ستجدون قبل البدء في عرض الآيات (ورقة عمل) تعينكم على توفية الآية حقوقها الكاملة، وتضع الأمر في قالب تطبيقي مُرَتَّب. تنبيه: نوصيك أن تعود إلى (ورقة العمل) بعد قراءة كل آية من الآيات التي وردت في هذا التطبيق؛ لتستعين بها على إكمال الانتفاع بالآية التي قرأت عنها.
وأريد أن أطمئنكم إلى أنكم لا تجدون في تلك الكلمات بإذن الله خللاً فكرياً، أو شططاً منهجياً، أو اضطراباً عقدياً، فلقد التزمتُ ألا أكتب عن آية إلا بعد مطالعة التفسير، ولربما طالعتُ في بعض الآيات عشرات التفاسير لأطمئن لما فهمته، كما التزمتُ ألا أعتمد حديثاً ضعيفاً أو موضوعاً.
وأريد أن أُوَجِّه الأنظار إلى أن الآية لو كان فيها أكثر من وجه في التفسير؛ فإنني أحاول استيعاب تلك الأوجه جميعاً، وأسبكها في قالب واحدٍ لا يقطع المُطالِع للكلمات عما في الآية من رسائل وتوجيهات، وعِبَرَ وعِظات.
والله أسأل، وإليه أتضرع وأتوسل، أن يجعل تلك الكلمات، معراجا للفوز بالرضوان والرحمات، وسبيلاً للوصول إلى الجنات، وأن ينفع بها كل مَن طالعها ويكتب لها القبول، وألا يحرم كل مَن ساهم فيها الأجر والأثر المأمول، إنه أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل.